عبدالله خباز
انطلقت اليوم بمدينة تارودانت أولى جلسات محاكمة المعتقلين المتورطين في أحداث الشغب و التخريب التي رافقت الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها المدينة ، على غرار ما شهدته مدن مغربية أخرى في ما بات يعرف باحتجاجات “جيل Z” .
و منذ الساعات الأولى من الصباح ، خيم على محيط المحكمة الابتدائية جو ثقيل من الحزن و القلق ، حيث توافدت عشرات الأسر ، أمهات و آباء و إخوة ، يتقاسمون الصمت و الدموع و الدعوات . مشهد مؤلم تختلط فيه الحسرة بالرجاء ، و الذهول بالأمل ، و كأن المدينة بأكملها تحبس أنفاسها في انتظار ما ستقرره العدالة في حق أبنائها .
و بحسب معطيات دقيقة حصلت عليها الجريدة ، فقد قدمت الشرطة القضائية بتارودانت ، يوم السبت 4 أكتوبر الجاري ، أمام النيابة العامة ، ما مجموعه 74 شخصا من المشتبه في تورطهم في أعمال الشغب و العنف ، حيث استمرت مسطرة التقديم من الصباح إلى قرابة منتصف الليل ، و قد قررت متابعة 19 متهما راشدا في حالة اعتقال ، و الباقين في حالة سراح ، فيما تمت إحالة 26 قاصرا على السيد قاضي الأحداث ، الذي قرر متابعة 7 منهم في حالة اعتقال ، و الباقين في حالة سراح .
أمام أسوار المحكمة ، وقف الجميع في ترقب كبير و صمت عميق ، عيون الأمهات شاخصة نحو البوابة تنتظر خروج محامي أو صدور خبر مطمئن ، و الآباء يطالعون الوجوه بقلق يخنق الكلمات . لا أحد يعرف ما الذي ستسفر عنه هذه المحاكمات ، لكن الجميع يشترك في إحساس واحد : الخوف على الأبناء و الرجاء في العدالة و الرحمة .
تارودانت ، المدينة الهادئة التي طالما عُرفت بأصالتها و دفء أهلها ، وجدت نفسها أمام لحظة استثنائية تختبر صبرها و وعيها الجماعي . لحظة تختزل مأساة جيل اندفع بحماس غير محسوب نحو المجهول ، فكان الثمن باهظا .
هي محاكمات لا تحاسب الأفراد فحسب ، بل تطرح أسئلة عميقة حول غياب الوعي القانوني ، و دور الأسرة و المدرسة و المجتمع في حماية الشباب من الانزلاق نحو الفوضى .
و في نهاية اليوم الأول من المحاكمات ، بقيت العيون دامعة و القلوب معلقة ، في انتظار ما ستنطق به العدالة في الأيام المقبلة . و بين أمل الأمهات ، و حسرة الآباء ، و صمت المدينة ، يظل الدرس الأكبر أن الحرية مسؤولية ، و أن الغضب حين ينفلت من الوعي قد يزرع الألم في بيوت بريئة لسنوات طويلة .


